أخبار العالمعام

قمة روسية لحل مشكلة سد النهضة بين مصر واثيوبيا

خلافات بين كل من مصر واثيوبيا بسبب سد النهضة ومشاكل متجددة بين الطرفين قد يكون لها حل من خلال القمة الروسية التي سيتم انعقادها وهي قمة سوتشي

على بعد بضعة أيام من انطلاق أعمال القمة الروسية الأفريقية، المقرر انعقادها في مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر، يتطلع الجميع إلى هذا التجمع الدولي الكبير الذي يستضيفه القيصر الروسي فلاديمير بوتن، بوصفه فرصة طيبة لتعميق العلاقات الأفريقية – الأفريقية من جهة، والأفريقية – الروسية من جهة أخرى.

وفي مقدمة الملفات المرشح أن تأخذ حيزا مهما من لقاءات سوتشي، الخلاف المصري الإثيوبي حول سد النهضة الذي تبنيه الأخيرة، والذي أصبح يمثل حجر عثرة في طريق التعاون الأفريقي الأفريقي ، بل أكثر من ذلك، أنه عند نقطة بعينها يمكن أن يتسبب في عدم استقرار المنطقة.

والدليل على ذلك، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد قبل أسبوعين أنه اتفق مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على  الاجتماع في روسيا للتباحث بشأن سد النهضة، الذي تخشى القاهرة من تأثيره على  حصتها من المياه.

ومن هنا، لا بد من الإلمام بجذور الأزمة وتطوراتها، منذ بداياتها، وصولا إلى أبواب سوتشي.

مصر والحقوق التاريخية

حين زار المؤرخ اليوناني الأشهر هيرودت، مصر قبل الميلاد، خرج بعبارته الخالدة: “مصر هبة النيل”.

ولدهور لا تعد، تدفقت مياه نهر النيل إلى مصر بكميات لا تحصى، وفي عام 1929، وقعت الحكومة البريطانية ممثلة لإقليم شرق أفريقيا، اتفاقا مع الحكومة المصرية، يضمن تدفق 55 ونصف مليار متر مكعب من المياه لمصر سنويا، محتسبة ما لا يقل عن ألف متر مكعب للفرد سنويا (المتوسط على نطاق العالم كله هو 7230 متر مكعب).

وكانت تلك الكمية أكثر من كافية لعدد 15 مليون مصري، غير أن تعداد المصريين الآن بلغ المائة مليون نسمة، مما أدخل مصر في مرحلة الفقر المائي، الذي يعرض أراضيها  وزراعتها وحياة شعبها للخطر، لا سيما وأن مصر ليس لديها بدائل من أمطار أو مياه جوفية، أو مصادر أخرى  تسد بها احتياجاتها.

ما الذي تريده إثيوبيا؟

يمكن القول إن الإثيوبيين استيقظوا مؤخرا على حقيقة أن كميات كبيرة من المياه تغادر أراضيهم دون أية منفعة، ووفقا لذلك، بدأوا في تشييد شبكة من السدود، في مقدمها سد النهضة.

وكما هو مخطط في الوقت الحاضر، فإن البحيرة التي وراء هذا السد، ستخزن 74 ونصف مليار متر مكعب، بالإضافة إلى فقدان مليار متر مكعب من خلال التسرب، وفقدان 5 مليارات متر مكعب بسبب التبخر.

وإضافة إلى ذلك، فإن إثيوبيا تخطط لإقامة 4 سدود مساعدة على المنبع، للحد من انجراف التربة، وهي سدود تخزن 200 مليار متر مكعب أخرى  .

وهنا يضحى من الطبيعي جدا أن يشعر المصريون بأن مخصصاتهم من المياه لن تأتي كما كان الأمر من قبل، لا سيما وأن 86 بالمئة من مياه النيل تأتي من إثويبيا، مما يضع حياة ملايين المصريين في خطر.

ما الذي تريده مصر؟

لعل أهم النقاط الخلافية بين مصر وإثيوبيا، هي تلك المتعلقة بداية بسنوات ملء الخزان، حيث تتحدث إثيوبيا عن عامين، فيما ترى  مصر أن الفترة المقبولة هي 7 سنوات.

مخاوف مصر هنا مرتبطة بفكرة فترات الجفاف وانقطاع الأمطار التي يتعرض لها النيل الأزرق في إثيوبيا خلال بعض الفترات، كما حدث في الفترة ما بين عامي 1979 و1987.

والمعروف أن النيل الأزرق يمر بـ3 دورات كل 20 عاما، الأولى تعرف بـ”السبع السمان”، حيث يكون هطول الأمطار غزيرا. والثانية تكون نسبة هطول الأمطار فيها متوسطة، وتبلغ 6 سنوات. أما الدورة الثالثة فتدعى “السبع العجاف” التي تنخفض فيها نسبة تدفق المياه .

وما تطلبه مصر من إثيوبيا، هو أن تنتظر سنوات الفيضان الغزير لتبدأ في ملء بحيرة سد النهضة.

كما تطالب بأن لا يقل منسوب خزان السد العالي خلال سنوات ملء سد النهضة عن 165 مترا، باعتبار هذا هو الحد الأدنى من التخزين، وهو الحد الذي يحمي مصر مائيا خلال أي فترة من فترات الجفاف، ولكي تتجنب القاهرة انخفاضا كبيرا في كهرباء السد العالي.

إضافة إلى ذلك، طلبت مصر من إثيوبيا 40 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق فقط، غير مياه النيل الأبيض ونهر عطبره، خاصة أن النيل الأزرق إيراده السنوي حوالي 50 مليار متر مكعب.

إثيوبيا.. وعبور “الخط الأحمر”

منذ البداية يردد الإثيوبيون في مواجهة هلع المصريين بأنه “لا داعي للخوف” وأن “كل شيء سيكون على ما يرام”، فالحصة المخصصة  وأكثر من ذلك، ستصل إلى  مصر. وعندما تحتج القاهرة، توافق أديس أبابا على دراسة تلو الأخرى. وعبر نحو 5 سنوات يظل الموقف الإثيوبي كما هو من دون أي تغير.

ولعل الرد الإثيوبي الأخير هو الذي أزعج مصر بشكل كبير، فقد اعتبرت وزارة المياه والري والطاقة الإثيوبية، اقتراحات مصر الجديدة  ومطالبها، التي سبق الإشارة إليها، بمثابة “عبور للخط الأحمر الذي رسمته إثيوبيا”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، إن بلاده “لن تقبل أي مساس بسيادتها فيما يخص سد النهضة، وأن
أعمال التشييد تسير بانتظام وفق الآجال الزمنية المحددة”.

وفي إشارة لا تخلو من مضامين واضحة، قال المتحدث عينه إن مصر “تتبع تكتيكا تخريبيا، من أجل وقف عملية تقييم التأثير البيئي والاجتماعي للسد”.

هل تعمل مصر ضد إثيوبيا؟

التصريحات الإثيوبية تدفعنا لطرح السؤال التالي: “هل تعمل مصر ضد إثيوبيا، وهل تسعى لتخريب سد النهضة كما يتهمها الجانب الإثيوبي؟”.

الشاهد أن هناك الكثير من التصريحات التي صدرت عن الرئيس السيسي في الأعوام الماضية، وفي القلب منها ما تحدث به خلال زيارته لإثيوبيا، التي وعدت فيها القيادة الإثيوبية بأنها لن تتسبب في أي أضرار لمصر، لتتغير لاحقا موجة التصريحات .

السيسي كان دائما يؤكد على أن مصر ليست ضد التنمية الإثيوبية، غير أن الجانب الإثيوبي انتهز فرصة ضعف الدولة المصرية في الأعوام التي أعقبت اضطرابات 2011، وباشرت بالبناء، بخلاف الاتفاقيات الدولية التي تحدد عملية إقامة السدود على  الأنهار المشتركة بين أكثر من دولة.

ورغم ذلك، فإن مصر اتفقت مع الجانب الإثيوبي في 2011، خلال الاتفاق الإطاري، على أسلوب ملء خزان سد النهضة، إلا أن اللجان الفنية لم تستطع حتى الآن الوصول إلى اتفاق في هذا الأمر.

والدليل، أنه بقدر الدبلوماسية الواضحة والنوايا المصرية المؤكدة للتوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف في إطار “الجميع فائز”، فإن السيسي كان حازما وحاسما في تصريحاته الأخيرة، لا سيما في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وفي حواراته مع وسائل إعلام وكبار الشخصيات الأميركية، إذ شدد على أنه “لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، مشيرا إلى أن المصريين ليس لديهم مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل”.

حقائق أمام المصريين

نهار الأربعاء السادس عشر من أكتوبر الجاري، وقف رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، أمام نواب الشعب المصري، ليلقي ببيان حكومته بشأن الأزمة الخطيرة المحدقة بمصر، وحتى يضع المواطنين أمام استحقاقات المشهد الآني.

في كلمته، أوضح مدبولي أن مصر “منفتحة” على  كافة أنواع النقاش والحوار، بشرط الحفاظ على حقها التاريخي في مياه نهر النيل.

 من ناحية أخرى، أكد الرجل على أن مصر دعمت العشرات من مشروعات التنمية، مضيفا أنها ليست ضد أي مشروعات تنموية تخدم أي دولة من دول حوض النيل، بل شاركت في تمويل وبناء عدد من السدود مثل سد تنزانيا، غير أنه حين يصل الأمر إلى مياه النيل بوصفها مصدر الحياة الوحيد للمصريين، فإن هذا أمر يجعل مصر بكافة مؤسساتها “أمام مسؤولية تاريخية للحفاظ على هذا الحق في الحياة”.

أما المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية، فقد أشار مؤخرا إلى أن إثيوبيا قدمت خلال جولة المفاوضات التي جرت في الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها، مقترحا جديدا يعد بمثابة تراجع عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء التي قد تقع في المستقبل.

وأشار البيان المصري الرسمي كذلك إلى أن إثيوبيا رفضت مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.

واشنطن وطريق الوساطة الرابعة

وتثير هذه الأحداث تساؤلات بشأن مرحلة ما بعد الوصول إلى انسداد مرحلي يهدد بالفعل الاستقرار، في ظل تضارب المواقف وعدم التوصل إلى حل مقبول من مصر وإثيوبيا، والسودان بينهما؟.

في الأسبوع الأول من أكتوبر الجاري، أصدر البيت الأبيض بيانا أعلن فيه دعم مصر وإثيوبيا للتوصل إلى اتفاق تعاون مستدام ومتبادل المنفعة بشأن تشغيل سد النهضة. وشدد البيت الأبيض على حق جميع دول وادي النيل في التنمية الاقتصادية والازدهار.

الإدارة الأميركية دعت جميع الأطراف إلى بذل جهود “حسنة النية” للتوصل إلى اتفاق يحفظ تلك الحقوق، مع احترام حقوق مياه نهر النيل في الوقت ذاته.

غني عن القول، أن العلاقات المصرية الأميركية في الفترة الحالية تعيش واحدة من أفضل حالاتها، كما أن “الكيمياء” بين الرئيسين السيسي وترامب رائعة جدا، ونظرة ساكن البيت الأبيض لنظيره المصري فيها الكثير جدا من التقدير والامتنان، مما يجعل من الممكن جدا أن تلعب واشنطن دور وساطة مقبول من الجانبين.

فلواشنطن ثقل ونفوذ عالمي، ولديها وفرة في أدوات تسوية النزاعات، لا سيما وأنها حريصة على أن تكون لها يد طولى في القارة الأفريقية، وهي تعلم تمام العلم أن أي مربعات قوة أو نفوذ تخليها هناك، سيقوم بملئها الجانب الروسي مباشرة، ناهيك عن تطلع التنين الصيني إلى القيام بدور فاعل في القارة السمراء، مما يختصم من “الكعكة الأفريقية”.

ومن هنا يبدو المجال مفتوحا أمام واشنطن، خاصة وأن لديها تأثيرات قوية على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي عاش جل عمره على الأراضي الأميركية.

وعودة إلى نقطة البداية، والحديث عن موسكو ودورها الفاعل، ولقاء سوتشي الذي تتعلق به العيون عسى القيصر يحلحل الأوضاع المتأزمة بما له من مهارة دبلوماسية، جعلت منه وعلى حد تعبيره “مطفئ الحرائق “، في الكثير من البقاع والأصقاع .

خلال الندوة التثقيفية التي نظمها الجيش المصري نهار الأحد 13 أكتوبر الحالي، قال السيسي إنه اتفق مع آبي أحمد على  اللقاء في موسكو، للتحدث في موضوع سد النهضة والتحرك إلى الأمام، حتى يمكن التوصل إلى حل لهذه المسألة بشكل أو بآخر.

والثابت أن روسيا لها علاقات قديمة مع إثيوبيا، وقد تجددت مع  ظهور بوتن على الساحة السياسية الدولية بقوة، ولهذا أصبحت روسيا  رقما صعبا في عموم أفريقيا، الأمر الذي يتبدى من خلال المرسوم الرئاسي الذي كلف فيه بوتن مستشاره الخاص لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف،  بالإشراف على تجهيزات القمة، ومنحه ثقة كبيرة في الإعداد لتوثيق علاقات روسيا مع عموم الدول الأفريقية.

وفي تقرير أخير لمؤسسة “ستراتفور” الاستخبارية الأميركية الخاصة، نجد أن المتعهدين الروس ومنذ الظهور بشكل رسمي في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2018، يعملون جادين على تفعيل دور موسكو في كافة العواصم الأفريقية، ورفع سقف طموحات موسكو في أفريقيا، في منافسة لا تخطئها العين لدور واشنطن وبكين والأدوار الأوربية القديمة.

ما الذي يعنيه ذلك؟

بالنظر إلى العلاقات المصرية الروسية المتميزة جدا، والتي تجددت بشكل كبير في سنوات السيسي، عطفا على التعاون المشترك بين البلدين في العديد من الملفات الشرق أوسطية الساخنة، لا سيما الأزمة السورية وتبعاتها وتعقيداتها، فإنه أصبح من المقبول أن تلعب موسكو دور الوساطة، في محاولة لتعزيز حضورها الاستراتيجي في القارة السمراء.

وتأخذ موسكو في عين الاعتبار أن أي نجاحات تحققها بين أديس أبابا والقاهرة، ستمهد لها أرضية جديدة كوسيط مقبول ومرحب به في الكثير من القضايا الخلافية البينية الأفريقية، مما يمنحها ورئيسها مزايا ومكاسب جيواستراتيجية وجيوسياسية.

الخلاصة

نؤكد كل هذه الأحداث، أن ساعة المجتمع الدولي قد حانت للاضطلاع بدور بناء في حث جميع الأطراف على التحلي بالمرونة في مفاوضات سد النهضة، سعيا إلى التوصل إلى اتفاق مرض للجميع.

ولا بد من التذكير بأن مياه النيل، كما أشار السيسي وكما يعرف الجميع، هي مسألة حياة وقضية وجود بالنسبة لمصر، وعلى المجتمع الدولي مسؤولية كبرى في حلحلة المفاوضات المتعثرة، وهذا أفضل وأنفع لكل الأطراف، فلم يعد الزمن الحالي هو الزمن الذي يفوز به طرف وحيد بكل شيء فيما يخسر الآخر إلى المنتهى، مما يقود إلى طروحات أخرى لا يتمنى أحد الوصول إليها، وإن ظلت حاضرة في أعين الجميع، فمصر التي حاربت من أجل تحرير الأرض، تعلم تمام العلم كيف تصون حقها في الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى